"دون شوق لا يوجد وطن"
يتناول الأديب الألماني – العراقي عباس خضر في روايته "الصفعة" نظرة طالب لجوء إلى ألمانيا. في المقابلة يتحدث عن وصوله إلى ألمانيا وعن ذكرياته.
سيد خضر: لقد هربت سنة 1996 من العراق وحصلت سنة 2000 على حق الإقامة في ألمانيا بصفة لاجئ سياسي. وبعد انتهاء حرب العراق عدت مرة أخرى إلى بلدك.
نعم، لقد كان حلمي أن أشارك في إعمار البلد. لكني كنت ساذجاً، فالتجربة كانت هزيمة. كنت مرة راكباً في الباص في بغداد، ازدحام، دبابات، دخان –كان هذا بعد فترة قصيرة من الحرب. كان سائق الباص يستمع إلى موسيقى رومانسية وكان يغني مع الموسيقى. وقد نال إعجابي واستغرابي لأنه يستطيع تجاهل هذا الدمار ويغني. ولما وقفت سيارة أجرة (تاكسي) في طريق الباص أوقف سائق الباص الموسيقى وأخرج مسدساً وأطلق النار على عجلات سيارة التاكسي. وبعد ذلك أعاد تشغيل الموسيقى وتابع الغناء. فالحكم الدكتاتوري والحروب دمرت الكثير في أرواح الناس. خرجت من البلاد وتوقفت بصورة كاملة تقريباً عن التكلم أو الكتابة باللغة العربية وعن سماع الموسيقى العربية.
أفلا تفتقد أي شيء ؟
ماذا عليّ أن أفتقد؟ الحروب؟ الإعدامات؟ القنابل؟ سنتان من التعذيب؟ الوطن بالنسبة لي مفهوم ترفي للناس الذين لم يفقدوا أوطانهم أبداً بشكل صحيح. فأنا لم يعد لدي شوق ودون شوق لا يوجد وطن. لدي ذكريات جميلة مع أسرتي مع الناس. لكن هذه الذكريات موجودة لدي في كل مكان.
كيف تتعامل مع الذكريات ؟
أنا في داخلي مثل الدكتاتور: لا أفتح إلا الأبواب التي أريد فتحها. هذا ما تعلمته مع مرور الزمن. والماضي مليء بالجثث والدماء. وعندما أفتح جميع الأبواب في وقت واحد، لا أعود قادراً على فعل أي شيء في الزمن الحاضر. وعندما أكتب كتاباً، أغلق أحد أبواب الماضي.
في روايتك "برتقالات الرئيس" تصف التعذيب في أحد السجون العراقية. تجربة تعين عليك أن تعيشها بنفسك.
في السجن كنت أتعرض للاستجواب والتعذيب شهوراً طويلة. وبين الاستجواب والآخر يجلس المرء في الزنزانة وعيناه معصوبتان ويداه مقيدتان. كانت طريقتي هي النوم وبالتالي الوجود خارج السجن، عند الأسرة. في أغلب الأحيان لم أكن أستطيع التمييز بين الواقع والحلم. هناك أماكن يجب ألا يوجد فيها المرء، وأنا لا أريد تذكرها.
أبطال كتبك يعانون من الشعور بالضياع والإحباط. وهذا هو أيضاً شعور كريم في روايتك الأخيرة "صفعة". ماذا تنصح اللاجئين الذين يعرفون جيداً هذا الشعور؟
لا تستسلم أبداً –فهناك دائماً أمل! فاللاجئون يفكرون غالباً في أنهم يجب أن يصلوا إلى ألمانيا وبعد ذلك يصبح كل شيء جيداً. وهذا غير صحيح، لكنهم يصبحون في مأمن ولديهم فرص. قد يكون الواقع قاسياً لكنه ليس أقسى من الكابوس الذي جاءوا منه. هؤلاء الناس لا يحتاجون الكثير سوى أن يعاملوا كبشر. لما جئت آنذاك إلى ألمانيا عشت في مآوى طالبي اللجوء، ونحو عام كامل تقريباً في دار للمشردين، وكانت تقدم المساعدة الجمعيات الخيرية وبعض السيدات المسنّات. وأنا لم أشهد اهتماماً من الشباب ولا زيارة أحد من السياسيين إلى مآوى اللاجئين. وأنا معجب جداً في أن هؤلاء الناس يقدمون اليوم المساعدة، لكن تقديم المساعدة يجب أن يكون من مهام الدولة.
هل سيساعد اللاجئين لو عرفوا قبل ذلك المزيد عن بلد اللجوء – ألمانيا؟
كلا، لولا هذا الوهم لكانوا، ربما، غير قادرين على تحمل مشاق الهرب. فهم يريدون فقط الوصول، النجاة. والعيش في المنفى له بالنسبة لي ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي الأقسى. فأنت تفقد كل شيء، والمنفى يجعل الوطن أجمل. والمرحلة الثانية تبدأ عندما يبدأ المرء التفكير في أحلام جديدة وأهداف جديدة. إلا أنه يحتاج لهذا الغرض الأوراق اللازمة. أما المرحلة الثالثة فتكون ناجحة عندما يصنع المرء من المنفى مشروعاً. فعندما أرى المنفى كمشروع، أغادر حالة السلبية. لكن هذا يحتاج إلى كثير من الحظ. فبعض الناس يبقون طيلة حياتهم في المرحلة الأولى.
هل أردت أنت أيضاً، في بعض الأحيان، الاستسلام ؟
هذا يحدث كثيراً. فالمرء يريد إغماض عينيه لكي ينقضي كل شيء. لكنني التقيت كثيراً جداً من الناس الذين دعموني وجعلوني أؤمن بالجانب الخيّر من الإنسان. وأنا أكتب رواياتي لهؤلاء الناس.
أجرت المقابلة: كاتارينا كرتشمار