دعم الصحفيات في العراق
يتوجب على الصحفيات في العراق إثبات وجودهن في عالم يسيطر عليه الرجال. مؤسسة ألمانية تساعدهن في ذلك.
المرتبة 163 من بين 180 – العراق في مرتبة متأخرة على لائحة تصنيف "حرية الصحافة" التي تصدرها منظمة "صحفيون بلا حدود". تعتبر وسائل الإعلام أداة بيد السياسة، ويتعرض الصحفيون للهجوم والاعتقال والتهديد. العمل في مثل هذه الظروف يشكل صعوبة كبيرة للسيدات بشكل خاص. لهذا السبب يوجد في العراق عدد قليل من الصحفيات، حيث يقوم الرجال بشكل رئيسي بممارسة هذه المهنة. وهذا بالتحديد ما تسعى "مؤسسة تاز بانتر" الألمانية إلى تغييره، وهي على ارتباط وثيق بالجريدة اليومية "Tageszeitung" الواسعة الانتشار. حيث تقوم بدعم الصحافة والمبادرات المستقلة من أجل تعزيز الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. مع برنامج "Her Turn" (دورها) الذي يستمر عدة أشهر تسعى إلى دعم حرية الصحافة في العراق وتشجيع النساء للعمل في المجال الصحفي. تحظى المؤسسة بدعم وزارة الخارجية الألمانية التي تخصص 125000 يورو لهذا المشروع.
بيترا بورنهوفت عضو مجلس الأمناء في "مؤسسة تاز بانتر" وتشرف على المشروع بالتعاون مع الصحفي سفين ريكر. بدأ كل شيء عندما زارت بورنهوفت شمال العراق في 2019. وقد كانت متفاجئة بالظروف التي كانت تعمل في ظلها المرأة في المجال الصحفي، وما يتطلبه ذلك العمل من شجاعة. زارت مقر إذاعة صغيرة تمكنت في ظل أسوأ الظروف من العمل كإذاعة نسائية للسوريين والعراقيين. من هذه الزيارة استوحت بورنهوفت فكرة الانطلاق في مشروع "Her Turn".
عبر التواصل مع منظمات ألمانية غير حكومية في العراق دعت إلى مشروع "Her Turn". في البداية كانت الأجواء متشائمة. "وُجّهَ إلينا السؤال فيما إذا كنا من أولئك اللاعبين الكبار القادمين إلى العراق لتقديم المعارف، تتذكر بورنهوفت. إلا أن هذه لم تكن غايتنا على الإطلاق. "فكرتنا تقوم على التبادل"، حسب بورنهوفت.
ورش عمل رقمية من ألمانيا
وهكذا وصل المؤسسة ما يزيد عن 100 طلب للمشاركة. "وضعنا بعض المعايير التي يتوجب توفرها في المتقدمات"، حسب بورنهوفت. حيث كان يتوجب على المتقدمات التمتع بخبرة سنتين على الأقل من العمل الصحفي في مجالات الطباعة أو التلفزيون أو الراديو أو الإعلام الرقمي أونلاين، وذلك من مختلف مناطق البلاد. وقد تم في الختام اختيار 18 مشاركة، شاركن بورشات العمل التي تم تنظيمها بالأساليب الرقمية بسبب جائحة كورونا.
لهذا السبب كان كل هذا التنظيم عبارة عن تحد كبير: في برلين جلس المحررون مع الصحفيين الألمان، وفي بغداد جلس اثنان من المترجمين، وكان عدد من الصحفيين منتشرين في مختلف أنحاء البلاد. استمعوا إلى محاضرات تخصصية عن خطابات الكراهية والفساد وعن التحقيقات والتقارير المتعلقة بالانتخابات، وتمكنوا من تبادل الخبرات والتجارب. "تحدثنا عن أسلوب العمل الصحفي وقمنا بدمج وحدات تدريبية، وفي الختام قامت النساء بأنفسهن بكتابة المقالات وتحرير المقابلات"، حسب بورنهوفت. النتائج باتت تملأ مدونة كاملة نشأت لهذه الغاية، وعددا من زوايا الجريدة اليومية "taz": كيف تحولت الأزمة المالية في كردستان إلى فرصة لسيدتين أميتين، ما هي آمال وفرص سيدة إيزيدية تعرضت للاختطاف من قبل قوات تنظيم "داعش"، وماذا حصل مع سيدة بعد محاكمتها بسبب مشاركتها في التظاهرات.
التشبيك يخلق الفرص الجديدة
بالنسبة للصحفيات أتاح هذا المشروع من ناحية إمكانية التواصل وتبادل الخبرات والتجارب، ومن ناحية أخرى أوجد إمكانية التشبيك، وهو ما خلق فرصا جديدة ومنح السيدات مزيدا من الشجاعة للاستمرار في ممارسة عملهن. "في بعض الموضوعات انطلق حوار حقيقي"، تقول بيترا بورنهوفت. هل يعتبر الختان أيضا موضوعا مثيرا في جنوب العراق؟ كيف تُقَيّم الزميلات فكرة صحفية ما؟ "Her Turn" جمعت المعارف في مجالات التلفزيون والصحافة المطبوعة وإعلام أونلاين في العراق وعززت من خلال الصحفيات أيضا مجمل العمل الصحفي.
كان هذا هو الدافع الأساسي للعديد من المشاركات، للتقدم بالطلب للمشاركة في المشروع. "تمكنت من تطوير مهاراتي، ونجحت في الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين، وتعلمت كيف تنشأ القصة الصحفية"، تقول الصحفية التلفزيونية والعاملة أيضا أونلاين منى عادل، التي تعمل في مدينة الناصرية جنوب العراق. وهذا أيضا رأي الصحفية هبة جابر مرترود من مدينة كربلاء الواقعة وسط العراق، والتي تعتبر من أهم المزارات الشيعية. "تمكنت من تطوير مهنيتي وتعلمت كثيرا من خبرات زميلاتي"، تقول مرترود.
تتمنى بيترا بورنهوفت أن تستمر تأثيرات ورشة العمل هذه. آمالها تحققت جزئيا. "إحدى المشاركات أسست أول موقع للسيدات في العراق، مشاركة أخرى من بغداد أسست أول تجمع للصحفيات في البلاد"، تقول بورنهوفت. وهكذا لم تنجح ورشة العمل فقط في تعزيز حرية الصحافة في العراق، وإنما تمكنت أيضا من تشبيك المشاركات مع بعضهن البعض. "وبالنسبة للإعلام الألماني فقد خلقت ورشة العمل علاقات جديدة في المنطقة"، حسب بورنهوفت. المؤكد هو أن المشروع ليس إلا خطوة صغيرة لتعزيز دور المرأة في العراق. الجزء الأكبر يقع على عاتقها، فهي التي يجب أن تتمتع بالشجاعة للاستمرار في العمل. أو كما كتبت الصحفية منى عادل في إحدى مقالاتها: "لا حرية لمن يخاف".
الرابط إلى المدونة: https://panterblog.taz.de/