في ورشة أعمال العالم
كل عمل فني يروي حكاية. كيف تبذل ألمانيا الجهود من أجل إيصال هذه الحكايات إلى مسامع الناس؟ هذا ما يعرفه الضيوف القادمون من مختلف أصقاع الأرض خلال زيارة إلى برلين.
أنّا بيسيلين تبدي سعادتها بيوم الغد. مثل هذا الموعد لا يتاح لها في أي وقت: الأخصائية في ترميم الآثار في متحف الفن الإسلامي في برلين، سوف تسافر إلى ميونيخ، حيث تقابل صاحبة قطع من سجادة أثرية. وهذه السيدة تريد أن تهب القطعة إلى المتحف. وهو يمتلك بالفعل قطعة أخرى من هذا العمل، وهو موجودة أمام بيسيلين على الطاولة في ورشة الترميم. أشكال مرسومة، تكاد تكون عصرية، تزين السجادة. مصدر السجادة من مناطق القوقاز، والمتخصصة في تاريخ الفن يمكنها معرفة ذلك من خلال تقنية الغزل المستخدمة. وهي تعتقد أن السجادة تعود إلى منتصف القرن السابع عشر.
تعرض بيسيلين المواقع العديدة المتضررة في السجادة، التي تنوي ترميمها، كما تبين المواقع التي سوف تتركها بلا ترميم، سعيا منها لعدم تغيير صورة السجادة بشكل كبير. "كل واحد من مرضانا بحاجة إلى رعاية وعناية خاصة، وكل سجادة لديها حكايتها وتاريخها الخاص"، تقول الخبيرة في الأعمال النسيجية الأثرية لزوارها المتجمهرين حول طاولة العمل. ضيوف برنامج زوار جمهورية ألمانيا الاتحادية يجمعون خلال جولتهم التي تستغرق أسبوعا معلومات حول جهود ألمانيا الرامية إلى الحفاظ على الثقافة والتراث. وفي ورشات متاحف برلين الحكومية يشاهدون في هذا اليوم قطعة من قبر مصري، وتابوت حجري يعود إلى عهد إتروسكان، وغيرهما الكثير.
معارف خبراء مطلوبة عالميا
حوالي 5,3 مليون قطعة تمتلكها متاحف برلين الحكومية. الجزء الأكبر منها يتواجد في المستودعات والورش. أما الجزء الأصغر فهو موزع بين 15 متحفا منتشرة في مختلف أرجاء المدينة. نيكيتا كوريتين، مدير متحف الفنون الجميلة في إيكاترينبورغ يبدي إعجابه وانبهاره، إلا أنه لا يخفي أيضا تشاؤمه بسبب الكثير من مواقع العرض. "مثل هذه المباني الضخمة ليست دائما فعالة"، حسب الخبير الروسي. "هذا صحيح"، تقول كريستينا هاك، نائبة المدير العام للمتاحف الحكومية. "ولكن في حالتنا هذه لا يمكن الفصل بين المهمات. التعددية والتنوع هي نقطة قوتنا". وهكذا تسهم مواقع ضخمة متميزة تجتذب الجمهور، مثل متحف بيرغامون الذي يستضيف سنويا ما يزيد عن مليون زائر، في القضاء على مستقبل دور العرض الصغيرة، مثل معرض المطبوعات على النحاس ومتحف فن المنسوجات.
بالإضافة إلى ذلك تقدم المتاحف الحكومية ومؤسسة الإرث الثقافي البروسي بصفتها القائمة عليها، الكثير من الخبرات الكبيرة المتنوعة، والتي يستفيد منها الآخرون أيضا. فإلى جانب رعاية وعرض المجموعات الخاصة بالمتاحف، تشتمل نشاطاتها أيضا على حماية الثقافة والتراث في العالم ومحاربة التهريب ونشاطات الحفريات والتنقيب غير الشرعية. "طرقنا في البحث العلمي مطلوبة على المستوى العالمي"، حسب هاك. الخبراء الألمان يشرفون على ورشات عمل على سبيل المثال في الصين وفي العالم العربي. حاليا يعكفون على إنشاء بنك معلومات عن التراث الثقافي في سورية، الذي تعرض للدمار، والذي يواجه التهديد والمخاطر باستمرار. "التهريب والحفريات غير الشرعية تخرب الإرث العالمي"، حسب هاك.
قواعد واضحة في اقتناء الأعمال الفنية
تتميز القواعد والمعايير بذات الجودة والتميز أيضا، عندما تريد متاحف برلين شراء القطع الفنية أو استعارتها. "لدينا قواعد واضحة وصارمة، ونطالب ببيان كامل حول المصدر"، تقول هاك. "من أجل إلقاء الضوء على مصادر القطع الفنية والأثرية تُبذَل الكثير من الجهود. وعندما يتبين لنا أن الخلفية غير واضحة فإننا نتخلى عن الأمر". منى الفازيا تهز رأسها بالموافقة. الصحفية المتخصصة بالأمور الثقافية في الكويت تايمز، تعتقد أنه يجب على ألمانيا أن تلعب دورا مهما على المستوى العالمي لجهة حماية التراث الفني والثقافي. "يجب أن تنطلق ألمانيا في الصدارة، على هذا الصعيد".
كريستينا هاك تشير إلى أهمية الشراكة، مع دول أوروبية أخرى مثلا، أو مع منظمة اليونيسكو. خلال زيارة لجزيرة المتاحف بعد الظهر يطلع الضيوف على أهمية مثل هذا التعاون، حتى في بلد مثل ألمانيا. حيث أن جزيرة المتاحف تتغير وتتطور مع دور العرض الخمس الموجودة فيها. رالف نيتشكة المسؤول عن تخطيط البناء في متاحف برلين الحكومية يقدم خلال جولة ميدانية مخططا متميزا لجزيرة المتاحف. وهو يرى ثلاثة أعمال تجديد بشكل رئيسي: عند مدخل جزيرة المتاحف سيقوم مركز جديد للزوار، غاليري جيمس سيمون، الذي صممه المعماري البريطاني دافيد شيبرفيلد. أيضا عند متحف بيرغامون تدور الرافعات: البناء سيحصل قريبا على جناح رابع. عندما تنتهي "الجولة الأثرية" أخيرا، هناك طريق تحت الأرض تربط فيما بين أربعة من المتاحف الخمس في الجزيرة. انتهاء كافة أعمال البناء: متوقع في 2040.
مشاركة اليونيسكو
يتفاجأ بعض الزوار أن تتم الكثير من أعمال البناء في موقع يحمل صفة "الحماية" من قِبَل اليونيسكو. "بناء جديد في مجمع يدخل ضمن الإرث العالمي، كيف يمكن أن يتم هذا الأمر؟"، يتساءل المتخصص في تطوير المدن من كوسوفو أنيس توسكا، ملقيا بنظره إلى مركز الزوار. تيمور إسلام، الذي أطلق في بنغلادش مبادرة لحماية التراث والإرث الثقافي يفترض أن اليونيسكو لا تتشدد مع ألمانيا كما تفعل مع بقية البلدان. وهو يشتكي من الازدواجية في المعايير.
رالف نيتشكة يقدم بعض الإيضاحات حول تاريخ معرض جيمس سيمون: فقد رفضت منظمة اليونيسكو التصميم الأول الذي قدمه فرانك غيري. في المحاولة الثانية حاول المسؤولون إشراك منظمة اليونيسكو، وقد كان كانت المنظمة ممثلة في لجنة اختيار التصميم. وهكذا بات الجميع مسرورين بالنتيجة: بناء شيبرفيلد يستخدم مكونات أساسية من البناء القديم وهو حديث رغم ذلك. وليس من الجديد من حيث المبدأ أن يقوم بناء في مثل هذه الظروف، حسب نيتشكة. حتى ثلاثينيات القرن الماضي كان هناك "باكهوف"، وهو عبارة عن دار للجمارك ومستودع للبضائع. أي أن كل شيء هو في الواقع تطور حقيقي طبيعي، حسب مخطط المدن. تأسست جزيرة المتاحف قبل 100 عام، وقد حققت نموا كبيرا. "الآن نتابع المسيرة".