تمكين اللاجئين من بدء حياة جديدة
هناك نحو 60 مليون لاجئ في العالم. مبادرة للوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية ترمي إلى المساهمة في مكافحة الأسباب- والتخفيف من حدة التبعات.
العدد هائل: استقبل لبنان البالغ عدد سكانه 4,8 مليون نسمة 1,2 مليون لاجئ سوري. أكثر من نصف اللاجئين أطفال في سن الذهاب إلى المدرسة. تحدّ ضخم للبلد الصغير الواقع على البحر المتوسط والذي خاض هو نفسه في العقود الماضية حرباً أهلية مريرة وتعرض لنزاعات سياسية داخلية: لا يوجد عدد كاف من المدارس لاستيعاب الأطفال اللبنانيين والسوريين وتمكينهم من تلقي الدروس، يضاف إلى ذلك أن كثيراً من المدارس في حالة سيئة. وكثير من المعلمين يحمّلون فوق طاقتهم بسبب الصفوف الكبيرة والعمل في دوامين وسلوك الأطفال غير المنضبط. وهم في أغلب الأحيان غير مؤهلين للتعامل مع أطفال اللاجئين المتضررين نفسياً.
لذلك وضعت الحكومة اللبنانية سنة 2014 بالتعاون مع هيئات ومنظمات وطنية ودولية استراتيجية لمعالجة هذا الوضع. الهدف: تحسين الشروط المدرسية للعائلات السورية واللبنانية وتمكين جميع الأطفال من الحصول على تعليم مدرسي. في سنة 2015 التحق بالمدارس اللبنانية 150000 طفل وفتى سوري. ومن المقرر زيادة هذا العدد سنة 2016 إلى 200000
لهذا الغرض سيتم تجديد المدارس مع ملحقاتها الصحية. ومن أجل الأطفال المعاقين ستزال جميع العوائق من المباني. فضلاً عن ذلك سيتلقى المعلمون تدريباً خاصاً للتعامل بحرفية مع الأطفال المتضررين نفسياً.
البرنامج المدرسي في لبنان مثال يبين كيف أن اللاجئين يمكن أن يحصلوا على آفاق جديدة لاعتمادهم على أنفسهم ورسم حياة جديدة. وتدعم الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية هذه الإجراءات في إطار مبادرة خاصة بعنوان "محاربة أسباب اللجوء- وإعادة اندماج اللاجئين". وتشارك في تمويل هذا المشروع بمبلغ 5,8 مليون يورو. وبصورة عامة تدعم المبادرة الخاصة أناساً في 19 بلداً، وكذلك بواسطة عدة مشاريع إقليمية. وتشمل هذه المشاريع إلى جانب لبنان كلاً من العراق ومصر والأردن. ولقد خصص لهذه المبادرة التي انطلقت سنة 2014 مبلغ إجمالي قدره 330 مليون يورو. وستستمر المشاريع الممولة حتى خمس سنوات.
وتقول متحدثة باسم الوزارة: "بواسطة المبادرة الخاصة باللاجئين تريد الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية المساهمة في الحيلولة دون نشوء النزاعات أصلاً ودون تصعيدها إلى درجة إجبار الناس على النزوح. وفي الوقت نفسه تريد المساعدة على تخفيف التأثيرات السلبية لحركات اللجوء على المشاركين فيها". والهدف هو محاربة أسباب اللجوء بالتعاون مع الشركاء وتحقيق الاستقرار في مناطق استقبال اللاجئين وإيوائهم. بالإضافة إلى ذلك ترمي المبادرة إلى المساهمة في إدماج الناس في موطنهم الجديد أو مساعدتهم على العودة إلى موطنهم الأصلي.
لقد تم إطلاق عدة مشاريع في مجالات مختلفة من أجل تحقيق هذه الأهداف: الوزارة الاتحادية تمول عروضاً للتعليم وتساعد رجالاً ونساء على متابعة تأهيلهم. كما أن المبادرة تحسّن التزود بالمياه والمنشآت الصحية وتقدم مساعدة نفسية. وتنتمي أيضاً إلى المبادرة مشروعات لتحقيق السلام والمصالحة. في الشرق الأوسط يتلقى في العراق مثلاً 3000 طفل دعماً نفسياً اجتماعياً ويحصلون على غرف ملائمة للأطفال. هنا تمول المبادرة فضلاً عن ذلك إعادة بناء وتجهيز 35 منشأة مختلفة كالمدارس والمراكز الصحية. وفي لبنان يحصل 43000 لاجئاً سورياً وفلسطينياً على معونات لشراء المواد الغذائية ودفع أجور السكن.
نشأت المبادرة على خلفية العدد المتزايد للاجئين: فقد وصل عدد اللاجئين في العالم إلى حوالي 60 مليون. وهم يتركون أوطانهم إما بسبب الحرب أو لأنهم ملاحقون أو مضطهدون. وهم يهربون خوفاً من العنف أو بسبب التحول المناخي. وتسعون بالمائة من اللاجئين يعيشون في بلدان نامية.
يؤكد شتيفّن آنغننت، باحث مختص في شؤون اللاجئين لدى "المؤسسة الألمانية للعلم والسياسة"، أن مناطق استقبال اللاجئين و إيوائهم تحتاج إلى الدعم والمساعدة: "لا يوجد هناك كفاية من المدارس ولا رعاية صحية جيدة ولا إدارة كفؤة". في كثير من الأحيان يبقى اللاجئون زمناً طويلاً في هذه المناطق. "ولذلك يجب توفير أفق لهم في عين المكان". وإلا فإنهم سيهاجرون مرة أخرى. ذلك أن "أبحاث الهجرة تشير إلى أن من هرب مرة سيتابع الهروب مرة أخرى".
ويقول آنغننت أن المساعدة في مجال التعليم تكون مجدية بشكل خاص. "كثير من اللاجئين الفتيان لم يذهبوا زمناً طويلاً إلى المدرسة. وإذا لم يحصلوا على مساعدة لا يستطيعون استغلال ما لديهم من إمكانات وكفاءات، وهكذا ينشأ جيل ضائع". كما أن الدعم مهم جداً أيضاً لأن اللاجئين كثيراً ما يتنافسون مع السكان المحليين على الموارد. ونتيجة لذلك يمكن أن تنشب نزاعات، على سبيل المثال، على الغذاء والتعليم.
من أجل مكافحة هذه النزاعات تتعاون الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية في إطار المبادرة الخاصة مع شركاء مختلفين. من بين هؤلاء الشركاء "المفوضية الأوروبية" ومنظمات ألمانية حكومية كالبنك الألماني للإقراض وإعادة الإعمار والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي. وينتمي إلى الشركاء أيضاً منظمات دولية وهيئات تابعة للأمم المتحدة وجامعات وهيئات لابتداع الأفكار الجديدة ومنظمات غير حكومية ومؤسسات خيرية وكنائس وكذلك حكومات البلدان ذات الصلة.
لا تمثل المبادرة الخاصة إلا جزءاً يسيراً مما تقدمه الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية من أجل أن تنفتح أمام اللاجئين آفاق جديدة. فلقد خصصت الوزارة في هذه الدورة التشريعية أكثر من 12 مليار يورو لإنفاقها لصالح اللاجئين في البلدان التي ينزحون منها وفي البلدان التي تستقبلهم- وبذلك تتابع تحملها لمسؤولية دولية.