"الذكاءُ الاصطناعيُّ شريكًا افتراضيًا على الساحة"
كيف يمكن للصحافة الاستفادةُ من شات جي بي تي وغيره من برامج الذكاء الاصطناعيّ؟ توضِّح ماري كيلج، مديرةُ قسم الابتكار في دويتشه فيله، الفرصَ والمخاطر التي ينطوي عليها الذكاءُ الاصطناعيُّ.
منذُ أن جعل شات جي بي تي (ChatGPT) قوةَ الذكاء الاصطناعيّ مرئيةً وملموسة في جميع أنحاء العالم، تُطرَح سبلُ استخدام نماذج الذكاء الاصطناعيّ في الصحافة للنقاش بشكلٍ مُكثَّف أيضًا في ألمانيا. وماري كيلج صحفيةٌ ومديرةُ قسم الابتكار في دويتشه فيله (DW). توضِّح المتحدثةُ ما بوسع التكنولوجيا أن تفعله وما تعجز عن فعله، وما الأخطار التي تنطوي عليها، وما إذا كانت ستضر بالصحافة على المدى الطويل.
سيدة كيلج، ما مواطن استخدام الذكاء الاصطناعيّ بالفعل في العمل اليوميّ لأقسام التحرير؟
أولاً وقبل كل شيء: لا يوجد ما يُطلق عليه "ذكاء اصطناعي خاص"، فالصحافةُ الآلية موجودةٌ منذ فترةٍ طويلة؛ على سبيل المثال في سوق الأوراق المالية والتقارير الرياضية. وتستطيع أدواتُ الذكاء الاصطناعيّ التوليدية، التي اكتسبت أهميةً كبرى في الوقت الحالي بفضل روبوت شات جي بي تي (ChatGPT) القيامَ بالمزيد، مثل تلخيص نصوص وكتابة مقالات وتوليد صور. وتنشر الجريدةُ اليومية الألمانية دي تاغيستسايتونغ (taz) حاليًا عمودًا شهريًا يحتوي على نصوصٍ إبداعية مُولَّدة بمعرفة شخصية خيالية تعمل بالذكاء الاصطناعيّ، طوَّرتُها بالتعاون مع فريق عمل. وثمة مثالٌ آخر غيرُ شائع للغاية في الحياة اليومية: في برنامج مونشنر رونده 'Münchner Runde'، الذي يُبث في الإذاعة البافارية، كان الروبوت بيبر يحاور ضيوفَ الاستوديو باستخدام شات جي بي تي.
ما الفوائد التي تعود على المُحرِّرين من استخدام الذكاء الاصطناعيّ؟
يزيح الذكاءُ الاصطناعيُّ عن كاهِلنا العملَ غيرَ المُلهم أو الذي يستهلكُ وقتًا كثيفًا، من ناحية، حيثُ يساعدنا في كتابة ملفات المقابلات، وبالتالي لا يعود التفريغُ الصوتيُّ والنسخُ اليدوي ضروريًا. وهذا يعطينا متسعًا من الوقت للبحث. ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن أن يساعد شات جي بي تي (ChatGPT) في إنشاء برامج نصية ونصوص بناءً على نقاطٍ مُحدَّدة. وهذا لا يجعلنا أسرعَ فحسب، بل يساعد كذلك بعضَ الأشخاص في التغلُّب على قَفلة الكاتب، لأن ثمة نصٌ موجودٌ بالفعل وما عليك سوى تغييره حسب تفضيلاتك الفردية. وهذا يجعل الذكاءَ الاصطناعيَّ شريكًا افتراضيًا على الساحة.
لا تستطيع برمجية تشغيل الذكاء الاصطناعيّ التمييزَ بين الواقع والخيال. أيُّ مخاطر ينطوي عليها هذا الأمر؟
إذا اتبعت المعاييرَ الصحفية، فلن يكون الذكاءُ الاصطناعيُّ أكثر خطورةً من بحث جوجل أو البحث في ويكيبيديا. لن يبرز الخطرُ، إلا عندما يستخدم الأشخاصُ التكنولوجيا ولا يدركون فحوى الأداة التي يعملون بها بالفعل وحدودَ استخدامها. وبالفعل، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في القيام بأعمال خبيثة أيضًا. الكلمةُ الرئيسية: الأخبارُ الكاذبة. يجب أن نسلِّح أنفسَنا ضدها.
من المسؤول فعليًا، إذا ارتكب الذكاءُ الاصطناعيُّ أخطاءً؟
يقطع التطوُّرُ أشواطًا بسرعةٍ كبيرة، لدرجة أن القضاءَ لا يزالُ متخلّفًا عن الركب، كما أن ثمة إجماعٌ من الأغلبية في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وفي وسائل الإعلام على أنه لا ينبغي للبشر نقلَ المسؤولية إلى الغير. لقد نشرت وكالةُ الأنباء الألمانية (dpa) مؤخرًا، على سبيل المثال، مبادئ توجيهية للتعامل مع الذكاء الاصطناعيّ، والتي تنص على بنودٍ عدة، من بينها ألا يُستخدم الذكاءَُ الاصطناعيّ إلا "تحت إشرافٍ بشريَ".
هل سيجعل الذكاءُ الاصطناعيُّ الصحفيين عاطلين عن العمل على المدى الطويل؟
تتغيَّر الوظائفُ باستمرار، بما في ذلك مجال الصحافة. فمن كان يظن قبل بضع سنوات أن صانع محتوى على منصة تيك توك يمكن أن يضطلع بمهنةٍ في مجال الصحافة؟ ومع ذلك، سوف يُغيِّر الذكاءُ الاصطناعيُّ الطريقةَ التي يعمل بها الصحفيون بصورةٍ أكبر. لكن الخبر السار هو: أن النموذجَ الأساسيَّ للصحافة سيظلُ قائمًا كما هو؛ إذ لا تزالُ بحاجةٍ إلى أشخاصٍ يستقطعون وقتًا كافيًا لتلخيص السياقات المُعقَّدة بطريقةٍ تُمكِّن الآخرين من استيعابها وتشكيل رأي قائم عليها من أجل المساعدة في رسم معالم المجتمع بفعالية.