إلى المحتوى الرئيسي

فن الخبز الألماني

سيلكة بورميستر تتساءل عن إمكان إنقاذ ثقافة الفطور الألماني

20.12.2012
Typisch deutsches Frühstück
© picture-alliance/obs

لسبب ما، لم تسمح لي أمي إطلاقا بالخروج من البيت دون تناول طعام الفطور. وكانت تفعل ذلك وكأنني سوف أنهار حتما، حتى قبل أن أتمكن من إخراج دراجتي من الكراج، أو على الأقل لدى وصولي إلى المدرسة، رغم أنها كانت تضع لي كل يوم كمية من السندويش والفاكهة تكفي لثلاثة أولاد. فيما بعد، وخلال بداية إقامتي في الخارج تعجبت من اللامبالاة التي يبديها الناس في البلدان الأخرى بصحتهم. شاهدت أطفالا يذهبون إلى مدارسهم بعد تناول نصف شطيرة "كرواسان" فقط. شاهدت إسبان يتناولون للفطور فنجان قهوة مع البسكويت الذي نطلق عليه "معجنات الدهن"، ونتناوله بين الوجبات، بعد الظهر. يكتفون بهذا "الفطور" دون أن تخور قواهم خلال النهار. كذلك طفل المدرسة في إنكلترة، الذي كنت أرعاه خلال إقامتي مع أسرته وعملي كمربية منزلية، كان يستهلك أسبوعيا ما يقرب من كيلو سكر، لتحلية شطائر الذرة "كورن فليكس"، صحيح أنه كان شاحبا بعض الشيء، إلا أنه كان يتمتع بصحة جيدة.

 

القاعدة في ألمانيا هي: الفطور هو الوجبة الأهم في اليوم. عندما نصحو من السرير في بلد آخر، يبحث الكثير منا عن مكان حفظ الخبز الأسود (الصحي)، أو على الأقل الخبز الرمادي أو قطع الخبز الصغيرة "بروتشن" بالحبوب، وكذلك عن مكان الجبن والسجق. ولكن عندما نعرف أنهم لم يضعوا في حسبانهم شيئا مثل "ساعة الصباح"، وأنهم لا يأكلون سوى الخبز الأبيض، مع بعض المربى في أغلب الأحيان، عندها ندرك: سوف يبدأ نهارنا ناقصا أمرا مهما.

لهذا فلا عجب في أن يفتح "مخبز ألماني" في كل مكان نتواجد فيه نحن الألمان. محلات تبيع ما نحتاجه لوضع جبن الصباح عليه، أو السجق. حتى في البلاد العربية يوجد اليوم متاجر، ولا يقتصر زبائنها على الألمان فقط. وبينما غزا الخبز الألماني العالم واستحق لقب "خبز العالم"، تعرضنا نحن بدورنا للغزو من قبل المقاهي الأمريكية والمطاعم الصينية التي تحتل العالم، وتنشر فيه عادات غذائية تنال من جيل الشباب لدينا، وتجعله "يشمئز" أحيانا من الخبز الأسود (الصحي). إنسان اليوم يأكل "مافن" أو "باغل" للفطور! إنه يشتري من المتجر البرتغالي نوعا من "الكرواسان" مع شيء من الجبن أو السجق، ويبحث عن الدفء من خلال "شواية" صغيرة توضع على الطاولة لتحميص السجق. الجلوس إلى مائدة الطعام أصبح من الماضي. تناول الطعام يتم خارج البيت، والأفضل خلال المشي!

 

هل تواجه ثقافة الفطور الألمانية خطر الانقراض؟ تماما مثلما ينحصر استخدام القشدة اليوم بالجدة المتمسكة بما هو قديم، فإن تناول الفطور في المنزل صباحا سوف يصبح أيضا "موضة قديمة". ولكن مازال هناك أمل في إنقاذ هذه العادة! وهذا الأمل هو في أن يكتشف أحد الأمريكيين "فن الخبز الألماني". عندما يتم تقطيع الخبز الرمادي وخبزه بأشكال عجيبة، ثم يتم تغليفه بطريقة جذابة، وتوضع في داخله شرائح الجبن على شكل نجوم، ثم يحمل أسماء عجيبة مثل "غرايستا" أو "مامبي"، ويتم بيعه في سلسلة مقاهي أمريكية. عندما تقول ليدي غاغا أنه لاشيء أطيب وأفضل للفطور من قطعة خبز "بروتشن" بالخشخاش مع بيضة مسلوقة، أو يتم تصوير روبرت باتينسون وهو يتناول قطع الخبز الأسود في الصباح بعد أن يدهنها بالزبد ويضيف إليها شرائح الجبن أو المربى. عندها سوف يتحول الفطور الألماني إلى "صرعة العصر". شريطة أن لا يلاحظ الأولاد، ما هذا الذي يتناولونه. ولكن: عندما يرى المرء مقاهي الفطور في برلين، تعج بزوارها القادمين من شتى أصقاع الأرض يتناولون في ساعات الظهيرة قطع الخبز الألماني "بروتشن" مع شرائح الجبن، فإنه يمكن الاعتقاد بأن هذه الموجة الجديدة قد بدأت بالفعل.

 

سيلكة بورميستر، صحفية ومدرسة تعيش في هامبورغ. تكتب لجريدة "تاغس تسايتونغ" في برلين، ومجلة "شبيغل أون لاين". كما تكتب بالإضافة إلى ذلك لجريدة "دي تسايت" الأسبوعية المعروفة.