مطعم العاصمة
في بورشارت في برلين لا يأتي المرء فقط لتناول "شنيتسل". على أية حال لا يأتي وحيدا.
إذا أراد المرء معرفة آخر أخبار برلين، ما عليه سوى الذهاب إلى بورشارت. كان المستشار السابق غيرهارد شرودر يحب تناول لحم الشرحات التقليدي "شنيتسل" في هذا المطعم، والمستشارة أنغيلا ميركل عقدت في بورشارت أهم جلسات التفاوض مع شريكها في الحكومة الائتلافية الحالية. وزير الخارجية الأسبق هانس ديتريش غينشر يتواجد أيضا هنا أحيانا. مطعم بورشارت في وسط برلين هو بمثابة "كانتينة" الجمهورية. سياسيون يضعون هنا إستراتيجياتهم، مؤثرون في القرار السياسي يجتمعون هنا مع الصحفيين. إنه على مقربة من الحي السياسي، علاوة على قربه من مراكز تحرير الصحف ومكاتب محطات التلفزيون في برلين. خلال معرض الموضة، يتواجد هنا مصممو الأزياء، وأثناء مهرجان الأفلام برلينالة يتناول هنا نجوم السينما طعامهم. في بورشارت تبدأ وتنتهي علاقات الحب، وتنطلق شرارات علاقات زوجية، ويتصالح إخوة مختلفون.
يقول صاحب المطعم رولاند ماري، أن مطعمه معروف في لوس أنجلوس تحت اسم "بيت شنيتسل". فقد اشتهر المطعم بالفعل بهذه الوجبة، بل اشتهر لوجباته اللذيذة المستمد بعضها من المطبخ الفرنسي. ولكن الطعام ليس هو الموضوع الأهم في هذا المطعم، فالشراب هنا أهم من الطعام. إنه من الصعب شرح سبب سحر هذه الصالة ذات الأعمدة المرتفعة والمقاعد المكسوة. برلين مدينة يصعب فهمها، ولكن في هذا المطعم يشعر المرء بأنه بدأ يفهم شيئا من هذه المدينة. ربما يعود ذلك إلى المزيج المناسب من الزوار والقرب من المركز التاريخي.
يقول رولاند ماري "المزيج، هو أهم شيء في المطعم على الإطلاق". روس وأمريكان، فلاسفة ورجال أعمال، كلهم يختلطون هنا في بورشارت. "إنها الضيافة، كما يجب أن تكون"، يضيف رولاند ماري. بورشارت هو مكان الحاضر والتاريخ في آن واحد. هنا يجلس المرء ويفكر آملا: ربما يأتي ليوناردو دي كابريو في أية لحظة. لقد تناول طعامه هنا، وهكذا فعلت مادونا. كل أحاديثها مازالت هنا في فضاء المكان. ومن يجلس هنا يحس بوجودها في المكان، بل ويشعر أنه يشاركها الحديث.
يتمنى المرء لو كان بالإمكان عرض صور مشاهير الضيوف، مثل جاك نيكلسون، الذي لفت الأنظار خلال ذهابه إلى الحمام، ونال نصيبه من التصفيق العفوي، وأيضا مثل باراك أوباما الذي قفزت إليه سيدة متجاوزة كل رجل الأمن، فقط ساعية إلى مصافحته. ولكن مثل هذه الصور لا وجود لها. لمناسبة مهرجان برلينالة على سبيل المثال يتم إحكام كافة النوافذ بالمواد اللاصقة، منعا لمضايقات الصحفيين و"باباراتسي". حتى العاملون في المطعم، لا يسمح لهم بالتصور مع الضيوف المشاهير. يقول رولاند ماري: "عندما يكثر الحديث عن مطعم، فإن هذا المطعم ليس مكانا جيدا للضيافة، لأن كل إنسان يعلم أنه هناك غير معرض للمضايقات". يعتبر ماري أن الأمور الخاصة لضيوفه أمر مقدس.
المثل الأعلى لمطعم بورشارت هو مطعم النبيذ الذي اشتهر في القرن التاسع عشر، لا كوبول دو باريس. الجو هنا يذكر بأجواء المقاهي. الضجيج هو الغالب على الهدوء، والنشاط هو الغالب على السكون، العمال حريصون، ولكن يتمتعون بشيء من الحرية والمرونة، أما النبيذ فيمكن للمرء أن يصبه بنفسه، حيث لا يقوم النادل بإبعاد الزجاجة عن الطاولة كي يعود هو لملء الكؤوس، كما هي الحال في المطاعم الراقية.
يحمل بورشارت صفات صاحبه. هو غالبا ما يتواجد هنا وقت الظهيرة، وتقريبا كل مساء. غالبا ما يجلس رولاند ماري إلى ضيوفه على موائدهم، دون أن يكون حشريا أو فضوليا. يتبادل معهم أطراف الحديث، وكأنهم ضيوف في منزله الخاص. يبدو رولاند ماري أنيقا بسيطا، كما يبدو الرجال في دعايات الأزياء الإيطالية. وهو يرتدي بدلة رسمية دائما تقريبا، بينما تبقى أزرار القميص العليا مفتوحة.
جاء ماري في مطلع الثمانينيات إلى برلين، حيث بدأ العمل كنادل في مطعم صديقته آنذاك. وبعد ذلك بفترة وجيزة، عندما فتح مطعمه الأول كان قد بدأ طريق النجاح الحقيقية. في 1992 افتتح مطعمه بورشارت. تنقل ماري في شتى أنواع ومستويات المجتمع ومشاهد الحياة، ولكنه لم يطل الإقامة في أي منها. وربما يكون هذا ما صنع منه المضياف المثالي: إنه يعرف تقريبا كل شيء، يستطيع أن يتأقلم مع ضيوفه، كما يتأقلم الكاميليون مع بيئته بتغيير لونه. المجتمع هو آفاق حياته. وهو يقول: "الضيافة هي ما يناسبني تماما. وباعتباري من مواليد برج الدلو، فإنه يمكنني التواصل مع الجميع". أحيانا يحتضن بورشارت أيضا شيئا فنيا، إنه عالم افتراضي زاخر بالمشاهير ورجال الإعلام. رغم ذلك يسود هنا جو من التوازن والمساواة. يشعر المرء أنه يتم التعامل مع الجميع هنا بذات القدر من الاهتمام، سواء مع المشاهير أو الوزراء، أو مع الضيف العادي من عامة الشعب.