إلى المحتوى الرئيسي

فن على مد النظر!

كل خمس سنوات يقام في مدينة كاسل معرض الفن العالمي دوكومنتا. الأعمال المشاركة تطغى على مشهد المدينة منذ عقود.   

21.06.2022
إعلان أمام أعمدة فريدريسيانوم
إعلان أمام أعمدة فريدريسيانوم © dpa

حدائق عائمة ورموز سلام هي طلائع معرض دوكومنتا الخامس عشر: قبل انطلاق معرض الفن العالمي تقدم الأعمال المنتشرة في مناطق وأحياء مدينة كاسل فكرة عن ما ينتظر الزوار. فوق مياه نهر فولدا تعوم منذ منتصف حزيران/يونيو "الحديقتان العائمتان" للفنانة والمديرة الفنية إيلونا نيميت: "حديقة المستقبل" تحتضن نباتات يمكنها تطهير التربة وتخليصها من المواد السامة. وفي "حديقة الشفاء" تنمو أعشاب ونباتات تتمتع بتأثير إيجابي متبادل. أيضا في وسط مدينة كاسل تبدو علائم دوكومنتا قبل انطلاق المعرض: حيث قام الفنان الروماني دان بيريوفشي بتلوين الأعمدة القائمة أمام المدخل الرئيسي لمتحف فريدريسيانوم باللون الأسود ورسم عليها بالأبيض رموزا وإشارات حول موضوعات السلام والتضامن والاستدامة.

تشكيلة الفضلات من إبداع "مجموعة العش"
تشكيلة الفضلات من إبداع "مجموعة العش" © dpa

على مروج "كارل" تنتصب تركيبة من الفضلات يمكن الدخول إليها من إبداع مجموعة الفنانين "مجموعة العش" من كينيا. يريد الفنانون والفنانات من نيروبي إثارة الانتباه إلى نقل القمامة والفضلات الكهربائية والقماشية إلى بلدان الجنوب، وهو ما يساهم في تدمير البيئة ويقود إلى الإضرار بالاقتصاد في تلك البلدان أيضا.

كل خمس سنوات يجتذب معرض الفن العالمي الناس إلى مدينة كاسل في وسط ألمانيا. ويعتبر معرض دوكومنتا إلى جانب بينالة في البندقية  أهم معرض للفن المعاصر. المعرض الخامس عشر يقام من 18 حزيران/يونيو إلى 25 أيلول/سبتمبر 2022 في كاسل، وتشرف عليه مجموعة الفنانين الإندونيسيين "روانغروبا" حسب مبدأ لومبونغ. "لومبونغ" هي الكلمة الإندونيسية التي تعني "بيدر الرز المشترك"، حيث يتم تخزين المحصول الفائض لصالح المجموعة التي تستفيد منه مجتمعة.

"بناء الإطار"، هاوس-روكر-كو
"بناء الإطار"، هاوس-روكر-كو © dpa

ويجدر خلال زيارة المعرض أيضا الاطلاع على الأعمال الفنية التي تعود إلى معارض سابقة، والتي مازالت تطبع صورة المدينة بطابعها. في هذا السياق ترك معرض دوكومنتا 1977 العديد من الآثار التي مازالت قائمة. في ساحة "فريدريش بلاتس" على مقربة من تمثال الدوق فريدريش الثاني يوجد "كيلومترات الأرض العمودية" للفنان الأمريكي والتر دي ماريا، ولكن فقط على شكل شريحة نحاسية صغيرة في بلاطة من الحجر الرملي. بقية العمل، وهي قضيب نحاسي بطول 1000 متر تم غرزه في الأرض وتبقى رؤيته غير متاحة.  

على عكس ذلك فإن "البناء الإطار" لمجموعة الفنانين هاوس-روكر-كو يمكن رؤيته بوضوح. تشكيلة البلاستيك القائمة على شكل إطار، معلق به إطار أصغر ينتصب في أعلى سلم غوستاف-مالر. نظرة المتأمل تمر عبر الإطار الكبير ثم الصغير، لتقع على بيارة البرتقال المتواجدة في منتزه المدينة "شتاتبارك كارلس أوة".  

أول تركيبة ليزر دائمة قائمة في مكان عام في العالم تضيء كل يوم سبت سماء مدينة كاسل. الشعاع الأخضر والأحمر الصادر عن المصباح الليزري الذي صممه هورست باومان، يربط بين تمثال هرقل وبيارة البرتقال ومتحف ولاية هيسن ومنتزه كارلس أوة، وبالتالي يجمع بين أهم معالم ورموز المدينة الرئيسية.

"7000 شجرة بلوط"، يوزف بويس
"7000 شجرة بلوط"، يوزف بويس © dpa

مع بداية دوكومنتا السابع في العام 1982 تمت بناء على تعليمات يوزف بويس زراعة "7000 شجرة بلوط" في أرجاء مدينة كاسل، كل منها إلى جوار حجر بازلتي. الحجارة البازلتية البالغ عددها أيضا 7000 تم تخزينها أمام متحف فريدريسيانوم حتى جاء موعد استخدامها. وكلما ازداد عدد الأشجار، تراجع حجم كوم الحجارة. وقد اكتمل المشهد الطبيعي الفني في عام 1987 مع معرض دوكومنتا الثامن.    

"الفأس"، كلايس أولدنبورغ
"الفأس"، كلايس أولدنبورغ © dpa

أيضا في 1982 وضع كلايس أولدنبورغ "الفأس" على ضفة نهر فولدا بالقرب من جسر درات. النصب الهائل الحجم لهذه الأداة المهمة يرمز إلى إعادة إعمار كاسل بعد الحرب العالمية الثانية. حسب تعبير أولدنبورغ فإن "تمثال" هرقل المتربع في أعلى المنتزه الجبلي المطل على المدينة هو الذي قذف هذه الفأس إلى ضفة النهر.

"الغرباء" فوق رواق إحدى دور الأزياء في المدينة أمام ساحة فريدريش بلاتس يجسدون منذ دوكومنتا التاسع في 1992 العزل والإقصاء والافتقاد إلى الاندماج. التماثيل الخزفية لثلاثة أشخاص من أصول عرقية وجغرافية مختلفة تبدو واقفة دون أي حيلة، عاجزة معزولة عالقة مع أمتعتها أمام أعمدة بوابة القصر الأحمر آنذاك. بعيون حزينة مكسورة الخاطر يتابعون الأحداث في ساحة فريدريش بلاتس تحتهم دون قدرة على المشاركة في حياة المدينة وفعالياتها.

"السير نحو السماء"، يوناثان بوروفسكي
"السير نحو السماء"، يوناثان بوروفسكي © dpa

يبدو تمثال يوناثان بوروفسكي "السير نحو السماء"، الذي تم تصميمه أيضا ضمن إطار دوكومنتا التاسع، مستمرا في الصعود دون أية عوائق. تمثال لرجل، يصفه أبناء مدينة كاسل بأنه مقتحم السماء، يخطو مسرعا بكل إصرار على قضيب معدني متوجها نحو السماء. يبلغ طول القضيب 25 مترا، وينتصب بزاوية مقدارها 63 درجة. عند الساحة الأمامية لمحطة الثقافة في كاسل يشمخ على ارتفاع 15 مترا.  

"فكرة دي بيترا"، جوزيبة بينون
"فكرة دي بيترا"، جوزيبة بينون © dpa

على أطراف منتزه كارلس أوة، على مقربة من درج غوستاف-مالر يدعو العمل الفني "فكرة دي بيترا" للتأمل، منذ معرض دوكومنتا الثالث عشر في عام 2012. التمثال الشهير البالغ طوله حوالي تسعة أمتار، للفنان جوزيبة بينون هو عبارة عن قالب برونزي لشجرة جوز. أغصانها مقطوعة بشكل حاد، وتحمل على ذروتها صخرة من الغرانيت. وكما هي الحال في معضلة الدجاجة والبيضة تبقى المسألة هنا محيرة، فيما إذا كانت الصخرة قد تم حملها نحو أعلى الشجرة، أم أنها سقطت من السماء.  

"النصب التذكاري للأجانب واللاجئين"، أولو أوغيوبيس
"النصب التذكاري للأجانب واللاجئين"، أولو أوغيوبيس © dpa

بعد معرض دوكومنتا الرابع عشر، قبل خمس سنوات من الآن، استمر النقاش حول "النصب التذكاري للأجانب واللاجئين" الذي أبدعه أولو أوغيوبيس. العمل الفني القائم على شكل مسلة منقوش عليها بأحرف مذهبة وباللغات الأربع الأكثر تداولا في كاسل، العربية والألمانية والإنكليزية والتركية، عبارة "كنت غريبا، وأنتم أحسنتم استقبالي"، وهي عبارة منقولة من إنجيل متى. خلال معرض دوكومنتا تم عرض هذا العمل الفني في ساحة كونيغ بلاتس. وحسب رغبة الفنان النيجيري-الأمريكي فإن هذا العمل يجب أن يبقى هناك، إلا أنه تم نقله أخيرا بموافقة أوغيوبيس إلى شارع تريبن القريب.  

"رجل في البرج"، شتيفان بالكنهول
"رجل في البرج"، شتيفان بالكنهول © dpa

تمثال آخر أثار كثيرا من الانتباه، وهو غالبا ما يتم تصنيفه ضمن أعمال معرض دوكومنتا، على الرغم من عدم كونه كذلك. قبل انطلاق معرض دوكومنتا الثالث عشر في 2012 كان الفنان شتيفان بالكنهول قد وضع تمثال "رجل في البرج" على برج كنيسة سانت إليزابيت في ميدان فريدريش بلاتس. العمل يجسد رجلا فاتحا ذراعيه أمام كرة ذهبية عاليا على قمة برج الكنيسة. مديرة معرض دوكومنتا آنذاك، كارولين خريستوف-باكارغيف رأت في هذا المنحوت الذي لا يمت بصلة لمعرض دوكومنتا تهديدا وإزعاجا لمعرضها. في الختام قام بالكنهول بإهداء العمل إلى الكنيسة الكاثوليكية.   

(مع dpa)

© www.deutschland.de