"هناك أزمة، ولكن ليس في أوروبا"
مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في حوار حول الهجرة واللجوء، واستغلال المسألة سياسيا.
منذ ثلاثة عقود ونصف يعمل فيليبو غراندي مع اللاجئين. نتحدث مع المفوض السامي لشؤون اللاجئين لدى منظمة الأمم المتحدة في جنيف.
السيد غراندي، منذ سنوات يدور الحديث في أوروبا عن أزمة اللاجئين. هل توجد هذه الأزمة بالفعل من وجهة نظركم؟
نعم، هناك أزمة بالفعل، ولكن ليس في أوروبا. كنت مؤخرا في زيارة إلى أفريقيا، وهناك هي الأزمة الحقيقية. وهي ليست أزمة واحدة، وإنما العديد من الأزمات. دول العالم الفقيرة تستقبل أكثر من 80 في المائة من المهجرين قسرا. أوروبا شهدت في 2015 و2016 أعدادا متزايدة من اللاجئين، كثيرين منهم بسبب الحرب الأهلية في سورية. تدهور الأوضاع في سورية وتراجع الدعم المخصص للاجئين في البلدان المجاورة فتح المجال لازدهار الأعمال بالنسبة لمهربي البشر. صحيح أن أوروبا تميزت على مدى عقدين من الزمن بنظام لجوء جيد، إلا أن منجزاتها في هذا المجال كانت متواضعة جدا. وعندما انهار هذا النظام، نشأ في أوروبا الانطباع بوجود أزمة، وهو انطباع أكبر بكثير من الأوضاع الواقعية.
هل تعلمت أوروبا من تجاربها الذاتية؟
مازالت أوروبا غير مستعدة. الاتحاد الأوروبي لم يستغل التراجع الأخير في أعداد اللاجئين من أجل إصلاح نظام دبلن، والاتفاق على الحصص، أو حتى التوصل إلى اتفاق حول طريقة التعامل مع اللاجئين الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط. في حال قدم المزيد من اللاجئين، فإن أزمة جديدة سوف تظهر، في وعي وإدراك الناس، وربما في الحقيقة أيضا. هناك سياسيون وأحزاب يطالبون ببناء الجدران وإقفال الحدود، وهم الذين يستفيدون بقوة من كل هذا الارتباك. أنا على قناعة من أنهم لا يريدون أي حل. إنهم يريدون أن يبقى الغموض والارتباك سيد الموقف، بحيث يمكنهم تقديم أنفسهم على أنهم المنقذون لأوروبا، وهو ما يتعارض مع حقيقتهم.
وما هو دور ألمانيا حسب رأيكم؟
تعرضت المستشارة الاتحادية أنجيلا ميركل للكثير من الانتقادات لأنها لم تقفل الحدود الألمانية في 2015. أعتقد أنها قد اتخذت بذلك القرار الصائب. لقد أثبتت أن هناك بلد يمكنه استقبال الكثير من الناس، والاهتمام بهم، عندما تقتضي الحاجة ذلك. كانت غالبية اللاجئين من سورية. سوريون هاربون من الحرب التي لم يتمكن المجتمع الدولي من حلها سياسيا. إلا أن أوروبا خذلت ميركل، وهذا ما ولد في ألمانيا ردود أفعال معاكسة. إلا أن الحكومة الألمانية الاتحادية مازالت حتى اليوم تتخذ مواقف منطقية جدا. تم التشدد في بعض القوانين، ولكن ذلك تم بشكل أخف منه في مناطق أخرى. مازالت ألمانيا في الريادة، ومازالت مدافعا شرسا عن التضامن الأوروبي. وهي اليوم ثاني أكبر المانحين بالنسبة لنا، وبفارق كبير، وهو ما يتيح لنا التوسع في أعمالنا، بشكل رئيسي في أفريقيا وفي الشرق الأوسط.
تتخذ ألمانيا من معالجة أسباب اللجوء أحد موضوعاتها الرئيسية خلال عضويتها لمجلس الأمن الدولي. ما هي أهمية هذه المسألة؟
لا يجوز منع أي إنسان من الهروب، إذا ما كانت حياته عرضة للخطر، أو يريد النجاة بحثا عن الأمان. ولكن إذا ما عملنا على استقرار الأوضاع في البلدان المجاورة لمناطق الأزمات والنزاعات، حيث تلجأ إلى هناك غالبية الهاربين من الحرب، فإنني على ثقة أن الكثيرين من هؤلاء سوف يتخذون قرارهم بالبقاء هناك. ولكن من أجل هذا، لابد من اتخاذ الكثير من الإجراءات في هذه البلدان، خاصة ما يفتح آفاق المستقبل ويثير الأمل: حيث تكون الموضوعات الأهم هي التعليم وتوفير ما يكفي من الغذاء والمساعدات المالية والاستفادة من خدمات القطاع الصحي. كما يجب أيضا مساعدة هذه البلدان، من خلال بناء البنى لتحتية اللازمة على سبيل المثال. التأثيرات هناك سوف تكون أكبر بكثير منها في أي بلد أوروبي.
وكيف يبدو ذلك عمليا؟
اللاجئون ليسوا مسألة سياسية في أوروبا وحدها، وإنما في تنزانيا ولبنان وإثيوبيا. في جميع هذه البلدان الثلاثة يتم تقديم الكثير للاجئين، إلا أن هذه الأنشطة الإنسانية لها ثمنها السياسي. نحن نميل إلى وجهة نظر استعمارية في التعامل مع هذه الأشياء: بمقدور أوروبا استقبال بعض اللاجئين، ويُفَضّل أصحاب المؤهلات العالية، أما الباقين، فعليهم أن يبقوا في أماكنهم. نعتقد أن هذا سوف يتسبب في مشاكل أقل. ولكن هذا غير صحيح. غالبية البلدان التي استقبلت الكثير من اللاجئين لا تكاد تمتلك من الموارد ما يكفي مواطنيها، الذين يعانون الفقر والفاقة. حصول اللاجئين على المساعدة هناك، هو أمر أبعد ما يكون عن الطبيعي والبديهي.
هل بات من الصعب التمييز بين اللاجئين والمهاجرين الوافدين؟
لقد ازدادت الأمور تعقيدا. لسوء الحظ غالبا ما يكون مهربو البشر هم الذين يقررون من سيهرب، وبالنسبة لهم لا تلعب الفوارق، ولا هذا التصنيف أي دور. لهذا تنشأ مجموعات مختلطة تضم لاجئين ومهاجرين. كما أن تشديد الرقابة عند الحدود شكل عامل ازدهار لأعمال هؤلاء المهربين. المهاجرون غالبا ما يتركون بلدانهم لأسباب قاهرة، بسبب الفقر أو بحثا عن الفرص. إلا أن اللاجئين يهربون من الحرب أو الاضطهاد، وفي حال إعادتهم إلى وطنهم، فإن حياتهم سوف تكون في خطر. لهذا السبب لابد من معاملة اللاجئين بطريقة مختلفة، وهذا ممكن ببساطة من خلال إجراءات تقديم اللجوء والاعتراف به. ولكن تزداد الأمور تعقيدا عندما يتم استغلال نظام اللجوء، وهو ما يحدث بشكل أساسي في أوروبا. في هذه الأحوال يجب أن تكون هناك آليات لإعادة أولئك الذين تثبت عدم أحقيتهم في الحصول على الحماية أو اللجوء، على أن تتم هذه الإعادة بأساليب إنسانية. ومن أجل هذا تحتاج أوروبا إلى إدارة هجرة موحدة مدروسة بشكل أفضل.
إلى أي مدى يمكن للميثاق الدولي للاجئين الذي تم إقراره من قبل الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2018 أن يؤدي إلى تحسين الأوضاع؟
تقليديا يتم التعامل مع أزمات اللاجئين على أنها تحديات إنسانية بحتة. ولكن باعتبار أن الأزمات باتت أكثر استدامة، فقد أصبح هناك الكثير من اللاجئين، الذين يشعرون أن عليهم تحمل هذه الظروف إلى الأبد. لنأخذ الأفغانيين أو الصوماليين على سبيل المثال، أو حتى السوريين أيضا، خاصة بعد مرور ثمان سنوات على اندلاع الأزمة. المساعدات الإنسانية الطارئة وحدها تكفي بالكاد للسنوات الأولى، إلا أنها تتراجع فيما بعد. ما يبقى هو طبقة من المحرومين، الذين يشكلون الزبائن المثاليين لمهربي البشر. من خلال الميثاق الدولي يتم إقحام فاعلين في مجال مساعدات التنمية، مثل البنك الدولي، وحتى من القطاع الخاص. ومن المفترض أن يساعدنا هؤلاء على تجاوز المساعدات البحتة من تقديم الخيام والأدوية، والانتقال إلى الاستثمار في التعليم ودعم الاقتصاد المحلي والزراعة والتزود بالطاقة وحماية البيئة. إنها خطة رائعة من أجل التعامل مع أوضاع اللاجئين. إلا أن الصورة مختلطة. فأنا قلق حقا، عندما يصل الأمر إلى توزيع الأعباء.
حضرتك الدبلوماسي الأرفع في موضوعات اللاجئين. هل تشعر بالصعوبة في قمع غيظك وغضبك؟
من الصعب جدا، لأن الخطابة غير مناسبة وغير عقلانية. أعداد اللاجئين كبيرة، إلا أنها مشكلة قابلة للحل. عندما يتأمل الناس الأهوال التي هرب منها هؤلاء الناس، فإنه يتوجب على كل إنسان أن يفهم أنهم بحاجة إلى مساعدتنا المشتركة. لهذا السبب يصعب القيام بنقاش عقلاني، لأن الموضوع غالبا ما يذهب ضحية التجاذبات والصراعات السياسية.
كثيرا ما تتحدث مع اللاجئين. ما هو الدافع الأكبر الذي يثير عندك هذه الرغبة؟
الرعب المطلق من المصير المخيف والفظائع البشعة التي حدثني عنها أفراد من أقلية الروهينغا في بنغلادش. بعض الحكايات تكسر القلب، مثل حكاية ذلك الطبيب الفنزويلي الذي كان يعمل بائعا في السوق لكي يكسب بالكاد قوت يومه. هنا يدرك المرء حجم الأزمة التي هرب منها ذلك الرجل. ولكن الذي يؤثر بي حتى بعد 35 عاما من العمل مع اللاجئين، وربما أكثر من السابق، هي قوة المقاومة وصلابة الإرادة التي يتمتع بها هؤلاء الهاربون. الأمر مختلف تماما عما يريدنا البعض أن نفهم، وهو أن هؤلاء اللاجئين يريدون استغلال الازدهار والرخاء الذي نعيشه. على العكس: غالبيتهم يريدون عمل شيء كي يساعدوا الآخرين، وحتى يسود السلام أخيرا في أوطانهم، ويتمكنون من العودة إليها.
أجرى اللقاء: مارك إنغلهارت
You would like to receive regular information about Germany? Subscribe here: