تعزيز دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن
"تسعى ألمانيا بشكل خاص نحو نظام دولي قائم على قواعد سليمة"، حسب هويسغن، السفير لدى الأمم المتحدة.
تتولى ألمانيا اعتبارا من تموز/يوليو رئاسة مجلس الأمن الدولي، وتسعى خلال هذه الفترة بكل قوة من أجل الحفاظ على نظام دولي قائم على قواعد سليمة. لقاء مع السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، هويسغن.
تتولى ألمانيا مرة أخرى في الأول من تموز/يوليو، ولمدة شهر، رئاسة مجلس الأمن الدولي. ما هي الخطط وبرامج العمل لهذه الفترة؟
للمرة الثانية خلال فترة عضويتها 2019/2020 تتولى ألمانيا رئاسة مجلس الأمن الدولي، وهذا في فترة عصيبة مهمة: بداية لأن هذا يترافق مع انطلاق فترة رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يلقي على ألمانيا مسؤولية مضاعفة في المحافل والمنتديات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، لأن تولي الرئاسة حسب التسلسل الأبجدي هنا في نيويورك يضع بالمصادفة ثلاثة من أعضاء الاتحاد الأوروبي هي إستونيا وفرنسا وألمانيا على في رئاسة مجلس الأمن خلال ثلاثة أشهر متتالية، أيار/مايو وحزيران/يونيو وتموز/يوليو، وذلك أيضا بعد ترؤس بلجيكا للمجلس خلال شهر شباط/فبراير. نحن نعمل على تنسيق هذا "الربيع الأوروبي" معا. بهذا نسعى أيضا إلى تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في نيويورك وإبراز قيمة وأهمية التعددية. علما بأن ألمانيا تسعى منذ دخولها عضوية مجلس الأمن إلى تعزيز الصوت الأوروبي فيه.
يتولد الشعور لدى المرء حاليا بأن التوجهات القومية عادت إلى الواجهة، وباتت متربصة في كل مكان.
هذا صحيح تماما، فالنظام الدولي يواجه حاليا هجوما وضغوطا من مختلف الجهات. ابتداء بمنظمة الصحة العالمية إلى محكمة العدل الدولية، ومن معاهدة حماية المناخ إلى منظمة التجارة الدولية، وصولا إلى تجاوزات كبيرة لحقوق الإنسان. كل هذا يزيد من أهمية السعي والعمل من أجل التوصل إلى نظام دولي قائم على أسس وقواعد سليمة. حيث أننا نريد للمنظمات الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة أن تتحلى بالقدرة على العمل.
أليس من سخريات القدر أن تتعرض الأمم المتحدة لمثل هذه الضغوطات، بالتحديد في ذكرى مرور 75 عاما تأسيسها؟
أفضل هنا رؤية الموضوع من وجهة نظر أخرى. إذا قارن المرء بين 75 عاما منذ قيام الأمم المتحدة مع 75 عاما التي سبقت ذلك، أي من 1870 حتى 1945 فإنه يرى: في 75 عاما الأولى شهدنا في أوروبا وحدها ثلاث حروب مفجعة. ومنذ ذلك الحين نعمل في أوروبا على حل النزاعات بأسلوب سياسي، على سبيل المثال أمام محكمة العدل الأوروبية. إنها قفزة نوعية كبيرة، لا يمكننا تقدير قيمتها الحقيقية. وبما يتوافق مع هذه الحقيقة نضع نحن في ألمانيا وبصفتنا أوروبيين أيضا، هذه الفكرة الدولية دوما في مقدمة اهتماماتنا، وهذا سنفعله خلال شهر تموز/يوليو أيضا.
بغض النظر عن هذا القلق العام، ما هي الموضوعات المحورية التي ستهتمون بها؟
وضعنا أربعة موضوعات نصب أعيننا: أولها موضوع الجائحات والأمان والسلامة. من الواضح الآن أن جائحة كوفيد 19 لها آثار هائلة على العالم، وسوف يستمر الأمر كذلك في المستقبل. وهذا ينطبق بشكل خاص على جوانب الصحة والاقتصاد. كما أن على مجلس الأمن الاهتمام بحقيقة أن الجائحة سيكون لها آثار على صعيد الأمن والسلام، لأن انتشار الفيروس يؤدي إلى إضعاف بلدان، وإلى زيادة شدة أزمات ونزاعات قائمة، وخاصة على صعيد الطوارئ والحاجات الإنسانية. نحن نضع هذه المسألة على جدول أعمال مجلس الأمن، وسوف يتولى وزير الخارجية ماس رئاسة جلسة افتراضية في نيويورك تتناول هذه المسألة.
وما هي الموضوعات الأخرى؟
الموضوع المحوري الثاني هو العلاقة بين التغير المناخي والأمن. على الرغم من تراجع الاهتمام بهذه القضية بسبب جائحة كورونا، إلى أن تبعات التحول المناخي تبقى من وجهة نظر السياسة الأمنية تشكل تحديا كبيرا. ففي مناطق مثل حوض بحيرة تشاد والسودان وأفغانستان تبدو هذه التبعات واضحة. وهذا سيكون موضوع حوار مفتوح. بالإضافة إلى ذلك نحاول بالتعاون مع عشرة أعضاء آخرين في مجلس الأمن، يدعمون مبادرتنا، أن ندرس إمكانات التوصل إلى قرار من مجلس الأمن بهذا الخصوص.
ثالثا سنقوم بإثارة الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان من خلال ارتباطها بمهمات السلام. برأينا يمكن لمهمات الخوذ الزرقاء أن تحقق نجاحا مستداما فقط عندما تهتم خلال أنشطتها بالقيم التي تجسدها وتدعو إليها منظمة الأمم المتحدة، وبشكل خاص حقوق الإنسان. هذه الجلسة سوف تكون برئاسة وزيرة الدفاع الألمانية الاتحادية.
خلال فترة الرئاسة الأخيرة أثرتم الاهتمام بمحاربة العنف الجنسي خلال النزاعات. هل ستلعب هذه القضية دورا أيضا خلال فترة الرئاسة الجديدة؟
هذا صحيح، وهذا ما سنفعله – كموضوع محوري رابع – من جديد، ليكون استمرارا لقضية طرحناها خلال فترة رئاستنا الماضية، وذلك لتكون مسألة محاربة العنف الجنسي خلال الأزمات والنزاعات من الموضوعات التي يهتم بها مجلس الأمن أيضا. في نيسان/أبريل الماضي نجحنا في التوصل إلى قرار يهتم للمرة الأولى بالناجين من مثل هذه الجرائم ويمهد الطريق نحو محاسبة الجناة ومعاقبتهم.
كل هذا بالإضافة إلى مجموعة من الصراعات التي أصبحت من الموضوعات الملحة الدائمة على طاولة مجلس الأمن: سورية، ليبيا، اليمن، وغيرها. ما الذي سيشغلكم بالدرجة الأولى؟
المهمة الرئيسية لمجلس الأمن الدولي هي الحفاظ على السلم العالمي وضمان الأمن على المستوى الدولي. لهذا السبب تندرج العديد من الأزمات والنزاعات يوميا على جدول أعمال المنظمة الدولية. الأخبار المتعلقة بالأوضاع السيئة المستمرة في سورية واليمن على سبيل المثال تصل يوميا إلى المجلس، وسوف تكون موضع اهتمامنا أيضا في تموز/يوليو. وبصفتنا مساعدين لقيادة العمليات الإنسانية في سورية نريد التأكد من أن منظمة الأمم المتحدة سوف تستمر في تقديم المساعدات الضرورية للناس هناك.
كما نريد إرسال رسالة واضحة وحازمة إلى ليبيا. هناك تستمر الحرب الأهلية بلا انقطاع، تدعمها وتحرضها مجموعة من البلدان، تتدخل من خلال نقل الأسلحة وتوفير المرتزقة، متجاوزة بذلك القوانين وقرارات مجلس الأمن الدولي. بعد مؤتمر ليبيا الذي انعقد في برلين مطلع العام الحالي، بات من المهم الدفع نحو إيجاد حل سياسي للأزمة التي تعصف بالبلاد.
ذكرتم في البداية أن النظام العالمي يتعرض للضغوط والانتقادات. ومجلس الأمن بدوره لن يبقى بالتأكيد بمعزل عن هذه الانتقادات. كيف تبدو الأجواء حاليا في المجلس؟
ليست بالتأكيد بالأجواء المثالية، إلا أننا نؤمن بالنظام الدولي المتعدد، ونعمل على تعزيزه. لهذا السبب نأمل في يعود مجلس الأمن للانعقاد من جديد "فعليا" في داخل مبنى الأمم المتحدة. وحتى في حال نجاح التحول إلى الأساليب الافتراضية والرقمية: فإنه من غير الممكن الاستغناء على المدى البعيد عن التواصل الشخصي المباشر، حتى على هامش الاجتماعات، فهو يعتبر جزءا من جوهر الدبلوماسية.