إلى المحتوى الرئيسي

حارسُ التاريخ

يعمل عمر كساب في المعهد الألماني للآثار بالقاهرة. وبصفته عضوًا في فريقٍ دوليٍّ، يُكرِّس جهدَه للحفاظ على التراث الثقافيّ في مصر.

المؤلفة_فانيسا_شميدتVanessa Schmidt, 10.06.2024
عمر كساب، مهندسٌ معماريٌّ في المعهد الألماني للآثار بالقاهرة.
عمر كساب، مهندسٌ معماريٌّ في المعهد الألماني للآثار بالقاهرة. © DAI Kairo

يعيشون تشابكًا على الصعيد الدوليّ: نُقدِّم أشخاصًا يمثّلون شراكات ألمانيا حول العالم. لأنه لا يمكن إنجاز المهام العالمية إلا معًا.

تتلألأ مياهُ النيل في ضوء الشمس، وبجانبها يتمايل العشبُ مع الرياح. وخلف ضفتيّ النهر يتوارى ما تبقّى من الآثار التاريخية. وتحكي الجدرانُ قصصَ الفراعنة والحضارات القديمة، التي عاشت هنا في يومٍ ما. هذا هو مقرُ عمل عمر كساب.

فريقٌ دوليٌّ متعدد التخصصات

على بعد قرابة 800 كيلومتر من القاهرة والأهرامات، التي يعرفها العالمُ أجمع، يعمل هذا الشاب البالغ من العمر 30 عامًا مهندسًا معماريًا في المعهد الألماني للآثار (DAI)، وهو مؤسسةٌ بحثية تمارسُ عملَها في جميع أنحاء العالم وتندرج ضمن اختصاصات وزارة الخارجية الألمانية. يمارس كساب مهامَ عمله في موقع التنقيب الأثري بجزيرة إلفنتين النيلية قبالة مدينة أسوان مباشرةً. وهو أحد أعضاء فريق متعدد التخصصات يضمُ أشخاصًا من بلدانٍ مختلفة. ألمانيا ومصر هما الأكثر تمثيلاً في هذا الفريق، بينما يفد الزملاءُ الآخرون من البرازيل وفرنسا وإيطاليا والنمسا وسويسرا. يقول كساب: "يمكن لمصر وألمانيا على وجه الخصوص أن تتعلَّم إحداهما الكثيرَ من الأخرى. يوجد في ألمانيا الكثيرُ من اللوائح المُنظِّمة لموضوع الحفاظ على المعالم الأثرية، بينما نحن في مصر نتمتع بحريةٍ أكبر في التنفيذ، وهو ما يفتح أمامنا المزيدَ من الفرص. ومن ناحيةٍ أخرى، يُثمِّن الألمانُ الآثارَ والمزاراتِ التاريخية للغاية ويعتنون بها. ومن ثم يمكننا أن نتعلَّم منهم الكثير".

 

حرفيون يعملون في موقع إلفنتين الأثريّ
حرفيون يعملون في موقع إلفنتين الأثريّ © DAI Kairo

يختص المهندسُ المعماريُّ عمر كساب بالتنقيب عن الآثار في هذا الموقع، بينما يعمل زملاؤه على ترميم القطع الأثرية والبنايات أو تحليل الخزفيات والمعادن والعظام والنقوش. وفيما يخص أعمالَ التنقيب وغيرها، يعتمد المعهدُ الألمانيُّ للآثار على الحرفيين المحليين من مدينة "قفط" المختصين منذ أجيال في هذا المجال. يؤكِّد كساب: "إنهم جزءٌ أساسيٌّ لا غنى عنه في الفريق".

رحلةٌ فكرية عبر الزمن

درس كساب الهندسةَ المعمارية في الجامعة الألمانية بالقاهرة وعمل في مكتبٍ معماريّ في ميونيخ. إنه يثمِّن للغاية التبادلَ مع مختصين وخبراء في مجالاتٍ أخرى: "يمنحنا ذلك منظورًا مختلفًا للأمور. وأنا محظوظٌ، لأنني أجمع في عملي بين الهندسة المعمارية وتصميم الجرافيك، ويمكنني في الوقت ذاته التواصل المستمر مع الاختصاصات الأخرى". يتولَّى كساب كذلك أداءَ عدة مهام أخرى، من بينها البنية التحتية السياحية في موقع إلفنتين وتصميم لوحات المعلومات التعريفية للزائرين. وللقيام بذلك عليه الرجوع بالزمن إلى الوراء – فكريًا على الأقل.

يقول كساب إنه لا غنى لعمله عن دراسة البنايات دراسةً تفصيلية. "فإذا لم تدرس البناية جيدًا وتفهم ماهيتها، فسيصعب عليك أن تشرحَ ذلك للآخرين بطريقةٍ بسيطة". ولا تزال البناياتُ في جزيرة إلفنتين تثير إعجابَ زائريها حتى اليوم. كان كساب "مبهورًا"، عندما وطأت قدماه المكانَ للمرة الأولى؛ إذ لا تزال البناياتُ هنا تشهد على أكثر من 5000 عام من النشاط البشري.

إن فكَ رموز الطبقات التاريخية عمليةٌ طويلة.
عمر كساب، مهندسٌ معماريٌّ في المعهد الألماني للآثار بالقاهرة.

يقول كساب إن "فك رموز الطبقات التاريخية عمليةٌ طويلة". ولهذا السبب يعكف هو وزملاؤه على دراسة البنايات عن كثب قبل تجميع ما توصلوا إليه من نتائج على لوحات المعلومات التعريفية للزائرين. ويرى كساب أن إشراكَ الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة المجاورة للموقع الأثريّ مباشرةً أمرٌ مهمٌ للغاية. "من المهم تعريف الأطفال بثقافتهم، على سبيل المثال من خلال الرحلات المدرسية إلى هنا". يعتمد كساب وفريقُه على القصص الحيوية والرقمنة في تصميم لوحات المعلومات التعريفية. "نحن نترجم المعلومات العلمية إلى حكايةٍ شيّقة: من عاش هنا من قبل وما الخفايا التي تكشفها عنهم القطعُ الأثرية التي عثرنا عليها خلال عمليات التنقيب؟"

يجب تجفيف الطوب اللبن تحت أشعة الشمس.
يجب تجفيف الطوب اللبن تحت أشعة الشمس. © DAI Kairo

ومن مهام كساب أيضًا تنسيق عملية إنتاج الطوب اللبن التقليدي المُستخدَم في جزيرة إلفنتين. وللقيام بذلك، كان لا بد في البداية من الإجابة عن الكثير من الأسئلة: ما المواد والتقنيات التي استخدمها الناسُ في عملهم في ذلك الوقت؟ وما الأدوات التي اخترعوها خصيصًا لهذا الغرض؟ وكيف يمكن حمايةُ الطوب من التأثيرات البيئية؟ يقول كساب: "البناياتُ المُشيَّدة من الطوب اللبن شديدةُ التأثُّر بالتغيُّرات المناخية. لقد تسبَّبت الأمطارُ الغزيرةُ مؤخرًا في أضرارٍ جسيمة، ونحن نعمل الآن على إصلاحها بسرعةٍ كبيرة". وبذلك يظل الموقعُ الأثريُّ مبهرًا ومثيرًا للإعجاب.