مدرسةُ المستقبل
يراهن نظامُ التعليم الألماني على أفكارٍ جديدة. تلتزم الباحثة آني سليڤكا بأسلوب التدريس المبتكر "التعلُّم المتعمِّق".
أستاذة سليڤكا، أنتِ مديرةٌ مشاركِة في المشروع التجريبيّ التعلُّم المتعمِّق (Deeper Learning). ما المقصودُ بذلك؟
التعلُّم المتعمِّق هو نهجٌ تعليميٌّ تربويٌّ يتجاوز تدريسَ الحقائق والمهارات الأساسية، ويهدف إلى تعزيز الفهم المتعمق والتفكير النقديّ ومهارات حل المشكلات وتطبيق المعارف على أرض الواقع. ويدور حول تمكين الطلاب من استخدام المعارف والمهارات المكتسبة على نحوٍ إبداعيٍّ وفعّال في مختلف المواقف.
كيف يحدث ذلك على أرض الواقع؟
يكتسب التلاميذُ، في البداية، أساسًا علميًا مشتركًا حول موضوعٍ مُحدَّد. وهذه هي مرحلة التعلُّم التأسيسيّ أو اكتساب المعارف. تليها مرحلة العمل الجماعي المُكثَّف، حيث يستكمل التلاميذُ المهام التي حددوها لأنفسهم، ثم تأتي المرحلةُ الثالثة وهي استخدامُ المعارف المكتسبة في تطوير منتجٍ مُحدَّد. وفي نظام التعلُّم المتعمِّق، ينتهي الأمرُ كذلك بتقديم إنجازٍ حقيقيّ، تُمنَح على أساسه من ثم الدرجاتُ التقديريةُ.
هل يعني ذلك أن نظام التعلُّم المتعمِّق لا يشملُ اختباراتٍ للانتقال إلى الصف التالي؟
لا. يهدف هذا النظام إلى تمكين التلاميذ من تطبيق المعارف فعليًا بطريقةٍ ملموسة. يُفترَض أن يصبح التعلُّم متعدد المنافع وأكثر اقترابًا من التطبيق العمليّ وملاءمةً للواقع. كما يجب أن يهدف إلى تعزيز اكتساب المهارات التي سنحتاجُ إليها بشكلٍ متزايد في المستقبل في ظل التحدّيات العالمية: التعاون والتواصل مع الآخرين والتفكير النقديّ والإبداع. فضلًا على ذلك، يجب أن تكون بيئةُ التعلُّم منفتحةً على عالم التعليم غير النظامي خارج المدارس وعلى العوالم الرقمية.
ما الذي يمكن تصوُّره تحت ما أسميتيه بالإنجاز الحقيقيّ؟
قد يكون ذلك أشياءَ مختلفة. في إحدى المدارس الثانوية التي يتعلَّم فيها التلاميذُ بنظام التعلُّم المتعمِّق، عرض التلاميذُ النتائج التي توصلوا إليها بشأن موضوع تغيُّر المناخ في شكل مؤتمر. ثم كانت هنالك مشاركاتٌ حول الموضة السريعة والتغذية النباتية والسياسة المناخية الأمريكية. كما قُدِّمت كذلك رسومٌ بيانية وحلقات بودكاست. وطرحت بعضُ الصفوف فكرةَ تنفيذ مشاريع اجتماعية في مجتمعاتهم المحلية، مثل التثقيف الصحي.
تبدو المرحلةُ الأولى التأسيسية في نظام التعلُّم المتعمِّق وكأنها حصصٌ دراسية تقليدية. ألم يعد ذلك من الماضي بالفعل؟
لا. يتطلَّب الإبداعُ الحقيقيُّ أساسًا مشتركًا من المعرفة. لن تتوصَّل مجموعةٌ طلابية إلى حلولٍ سديدة لمكافحة التغيُّر المناخيّ، إلا إذا كان واضحًا لجميع المشاركين ما يعنيه هذا المصطلح فعليًا. والتعلُّم المنظَّم ذاتيًا لا يكون فعَّالًا، إلا إذا استند إلى أساسٍ معرفيّ. والتعلُّم المتعمِّق لا يضعُ نظامَ تعلُّمٍ جديد محلَ آخر قديم، بل يجمع بين النظامين بطريقةٍ ناجعة.
في أيِّ المدارس الألمانية تُستَخدم طريقةُ التدريس هذه بالفعل؟
نركِّز في مشروعنا التجريبيّ للتعلُّم المتعمِّق لصالح مؤسسة روبرت بوش على شبكةٍ تضمُ ثماني مدارس ثانوية في بادن فورتمبيرغ وندعمها علميًا. وفي الوقت ذاته، قمنا بتكوين شبكةٍ من 16 مدرسة في جميع أنحاء ألمانيا لصالح شركة تيليكوم. وفي بلدانٍ مثل كندا وأستراليا، يُستخدَم نظامُ التعلُّم المتعمِّق بنجاح في العديد من المدارس. يجب علينا في ألمانيا كذلك أن نستفيدَ من الإمكانات الكبيرة لطريقة التعلُّم هذه.
_________________________
الأستاذة الدكتورة آني سليڤكا باحثةٌ في مجال التعليم في جامعة هايدلبرغ ومؤسِّسة مبادرة التعلُّم المتعمِّق.